كيف بنت DeepSeek نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بها بأقل تكلفة؟
وفي الآخر... ارتاح الشيخ رفيق
مرحباً دولة الرئيس. عشرون عاماً مضت. 14 مرّة مرّ 14 شباط (2005-2025). ثمة أسماء لا تغيب وإن غاب أصحابها وأنت، دولة الرئيس، واحدٌ منهم. أحداثٌ كثيرة تتالت وخصوصاً في السنة العشرين. و«شو بدنا نخبرك لنخبرك». اليوم، نستعيد الذكرى في سنة ليست مثل كلّ السنين. لبنان يا دولة الرئيس تبدّل كثيراً. اندحرت فيه سوريا. وسوريا «طار» منها بشار. ومن دين باغتيالك، سليم عياش، قُتل في حربٍ ليس لنا دخل فيها. وبشّر القاتل بالقتلِ ولو بعد حين. والسيّد حسن نصرالله، الذي ينتمي إلى حزبه الأصفر من اغتالك، اغتيل. لبنان، بمساحاتٍ كثيرة كبيرة منه، «على الأرض» وبحاجة الى إعادة إعمار. والحريريون، وكثير كثير من اللبنانيين، ما زالوا يرفعون اسمك عالياً: رفيق الحريري. ونقطة على السطر.
نتحدث إليك بصدق. بلا مواربة ولا مراوغة أو غموض. عشرون عاماً وما زال صوت التفجير - ظهر ذاك الإثنين - في آذاننا. يومها هرعنا إلى المكان و... ودخلنا في العتمة. لكن لا لا ما خلصت يومها الحكاية. ها نحن بعد عشرين عاماً نتذكرك لكن ببعضِ التفاؤل بأن القادم من الأيام سيكون أحلى وأفضل مما عشناه في 7300 يوم من يوم اغتيالك. حاول كثيرون في عشرين عاماً التصويب على مشروعك ورمي تبعات ما عشناه بعدك على نهجك. هكذا، كما تعرف، يفعل من ينسحبون من أفعالهم ويرمون أخطاءهم على من يظنون أنه «فُجّر» وانتهى. أخطأوا. انتهوا هم وصمدتَ أنت في البال شهيداً عزيزاً. وماذا بعد؟ ماذا نخبرك؟
أكثر من 36 ألف شاب وشابة علمتهم على مدار عقدين ينتشرون اليوم في مدارات الدنيا يقولون لك: شكراً. كان تعليم الشباب والشابات هاجسك كما يخبرنا رفيقك الفضل شلق «ذات يوم دعاني الحريري إلى الصعود معه في السيارة. كان ذاهباً إلى القصر الجمهوري لرؤية الرئيس أمين الجميّل. سألني: كم تلميذ يمكنكم تعليمهم سنوياً على نفقة المؤسسة؟ العاملون في المؤسسة كانوا قد حددوا القدرة بنحو 350 طالباً سنوياً. رفعتُ أنا العدد وقلت له: سنأخذ 500 طالب وطالبة. أجابني: خذوا ألفاً. كان ذلك في أيار 1984. وصلنا إلى تشرين الثاني 1984 و«غلتنا» من الطلاب والطالبات 7000. كان يتصل بي يومياً ليسألني «قدي الغلة اليوم» (عدد الطلاب الذين ساعدناهم). كان يردد أمامي: كم أفرح حين أسمع ما تقول عن شباب وشابات لبنان». نعم، كان التعليم هاجساً لديك. كنت تعرف أن كل شيء زائل في هذه الدنيا إلا رصيد العلم والتعليم.
رفيق الحريري معارفك كثر. الكثيرون قالوا بعد اغتيالك: كنا أصدقاء رفيق. لكن، الفضل شلق، الرجل اللصيق في مسيرتك، أخبرنا «كانت شخصية رفيق محببة وكان ودوداً ويساعد الناس إلى آخره أما أن يقول أحدهم أنه قريب منه فهذا حمّال أوجه. هناك أناس ادّعوا أنهم عرفوه بعدما توفي. وقال كثيرون إنهم مقربون منه. لا أعرف مدى صحة ذلك. أنا عملت معه طوال 25 عاماً ولم نجلس مرة واحدة أكثر من عشر دقائق متواصلة معاً».
Iran Out
هل تعلم دولة الرئيس أنه يوم اغتالوك التقى اللبنانيون في تظاهرة مليونية لم يشهد، وقد لا يشهد، لها لبنان مثيلاً. كانت أوّل مرة يهتف فيها سنّة وشيعة أحرار ومسيحيون ودروز: حريّة سيادة استقلال. و«سوريا برا» (Syria Out) تغلّبت بمماتك على من أرادوك جثّة هامدة. ثار لبنان. واندحر نظام الطاغية الأسد من لبنان لكن مخالبه استمرّت تغرز فينا بمن سموا رجال سوريا في لبنان. ومذاك باتت ساحة الشهداء ملاذاً للبنانيين المخنوقين باحتلالين سوري خفي وإيراني جلي وكم صرخ اللبنانيون: Iran Out. «حلوا عنا بقا».
ارتفعت العبارة بالفارسية ليفهمها المحتلون الجدد. وارتفع أيضاً وأيضا مرات ومرات شعار: طمأنة اللبنانيين أهم من إخافة إسرائيل. لكن من يفترض أن يفهموا غضوا النظر. في كلِ حال، مشهد الرابع من شباط تتالى في عشرين عاماً. هو مشهدٌ شباطي فاجأ في 2005 وتحدى في 2006 وثابر في 2007 وواجه في 2008 وتتابع في كل 14 شباط. ودخل من دخل من «لاعبين» في خفقان 14 شباط الذي أنجب 14 آذار فتفرّق، في الشكلِ، الشمل. لكن، في إرادة الحياة، ما ظلّ معلوماً، أن في الانقسام هلاك. بعاد واقتراب، واقتراب وبعاد، لكن ذكراك استمرّت تجمع.
ماذا عن لقاءات البريستول؟ تتذكرها شيخ رفيق؟ لا بُدّ أن تكون قد سألت في عليائك: ماذا عن حراك السياديين الذين تحلقوا حول الطاولة في قريطم، عشية يوم الإثنين في 14 شباط 2005، ليعلنوا: ثورة السيادة والحرية والاستقلال؟ وماذا عن من توجهت إليهم بقولك «أستودع الله هذا البلد الحبيب» وأنت العليم أنه كان أمامك حل من ثلاثة: القبر أو السجن أو الرحيل؟ كثيرون قتلوا بعدك. فهل الثورة التي أنتجها اغتيالك انتهت مفاعيلها؟ نُخبرك يا شيخ رفيق أننا كبرنا بعد اغتيالك عشرين عاماً. نضجنا. لكننا ما زلنا نحلم بأن دمك، كما دم بشير، وكل رفاق الدرب الطويل، أسّس لإرادة حرية تظل تخفق. صحيح أن البريستول، الفندق الشهير، الذي لمّ الشمل ذات يوم أغلق أبوابه. لكن الساحة تظلّ تتسع لكل من نشد - وينشد - الثورة الكاملة.
كبُر شباب الثورة؟ صحيح. لكن، بطن الثورة يستمرّ معطاءً. رفاقك شيخ رفيق اقتحم الشيب رؤوسهم ووحدك تستمرّ شاباً في الستين. فماذا عن حراك محبيك و«مبغضيك» في عشرينك؟
فلنبدأ من اللحظة، من قلب الوسط، من طريق الجديدة وقصقص والمزرعة وكل بيروت. صورك ارتفعت من جديد. سعد في بيروت. والأغنيات ترتفع من مكبرات الصوت منذ يومين بأناشيد وأغنيات وولاء ووعد «عالوعد نكمل دربك يا رفيق العمر الحبيب». و«لا لا ما خلصت الحكاية لا لا مش هيدي النهاية لا ما نسينا بعدك فينا وبعدو الوطن هوي الغالي».
علوش والزعيم
مصطفى علوش، الدكتور مصطفى، استعاد أول البارحة، من ذاكرة الفيسبوك، محاضرة قدمها قبل 12 عاماً بعنوان: رفيق الحريري رؤية نحو المستقبل. يعيش النائب - الطبيب حالة من النوستالجيا. لكن، هل سيدفعه هذا إلى النزول إلى بيت الوسط اليوم؟ يجيب بحسم «لا، القصة اليوم غير مرتبطة برفيق مباشرة بل بإعادة بناء شخصيات لترث رفيق الحريري».
ماذا يقصد الرجل بكلامه؟ ألم يظهر بعد من هو جدير بإرث الرجل المعنوي والشعبي؟ أليس سعد وريثاً؟ يجيب «الظروف اليوم باتت أسهل بكثير من قبل. هناك حكومة واعدة، من دون البحث فيها عن أبطال وعن زعماء، بل تضم نساء ورجال دولة غير معرضين، كما أيام زمان، للتهديد وغير محاصرين. لحظة عودة الشيخ سعد الدائمة موجودة لكن لا أظن أنه سيمكث هنا لأسباب تقنية لا سياسية». ماذا يقصد بالتقنية؟ «الأسباب المادية». هل لديه توقعات عن كلمة الشيخ سعد اليوم؟ «أتوقع أن يتكلم عن المتغيرات التي حصلت وأن العدالة - ولو الإلهية - اخذت أخيراً مجراها وعلينا أن نتطلع مجدداً للعيش معاً».
سنرى اليوم هدير التياريين في المستقبل على الأرض فهل التيار سيكون موجوداً؟ «سيكون أمين عام التيار حاضراً وبعض الكوادر لكن أي مشروع سياسي يسقط في غياب زعيم ليس جديراً بالثقة. في كلِ حال سنرى محاولة ترميم اليوم للتيار». ويستطرد علوش بالقول «على الرغم من كل الانتقادات التي أقولها يبقى أن شخصية سعد محببة. لكن فكرة الزعيم أكبر إساءة للمواطنين بأن يعتبروا أن الزعيم يخلصهم. وحدها الدولة تجمع وتخلص بلا «سيلفي» فقط بقرار».
نتحدث اليوم عن عشرين عاماً، عن 7300 يوم بعد رفيق، فهل مشروع رفيق الحريري لديه قابلية للعيش؟ يقول علوش «نحن جماعة نحب الأرقام لكن الأكيد أن متغيرات كبرى طرأت على الكيانات التي وقفت في وجه مشروع رفيق واغتالته. هي زالت من الوجود والناس، كل الناس، صاروا يعرفون من هو عدو اللبنانيين الذي اغتال رفيق في سياق منع أي تطور إيجابي في المنطقة، لا بل إغراق المنطقة بمنطق الديكتاتوريات واستمرار الظلم. من واجهوا مشروع رفيق واغتالوه انتهوا. ومشروعه لم يكن فقط الإعمار بل بناء المواطنة والفكر الديمقراطي والسعي من خلال الفكر الحرّ إلى المبادرة والذهاب إلى منطق الحداثة. عملية البناء والإعمار ليست إلا جزءاً من المشروع. الأهم كان بناء الوسيلة الإنسان من خلال العلم والمعرفة والمنح. كان رفيق يرى بلبنان صلة وصل بين الشرق والغرب».
لكن، كثيرون لاموه بعدها ورموا ثقل كثير مما حصل على مشروعه؟ يجيب «كانت محاولة من هؤلاء للهروب من وطأة مشروع الممانعة في طهران معتبرين أن مشروع الحريري هو من ضرب الاقتصاد. هناك من أراد مهادنة المعتدين من خلال البحث عن كبش محرقة لكنّ كثيرين ادركوا لاحقاً انه من دون سقوط الممانعة لا يمكن أن يتحقق شيء. وأقولها اليوم أن كل السقطات التي حصلت خلال حكم رفيق كان سببها المشروع المضاد».
نعم، شيخ رفيق هذا ما قاله الدكتور علوش في عشرينك. ماذا بعد؟ كثيرون ضمروا لك شراً في حياتك وبعد مماتك. وكثيرون كشفوا، بالوقائع، الجهة التي ظنّت أنها أنهتك. محسن دلول واحد من معارف. هو اليوم مريض. صوته بالكاد يُسمع. هو تعرف إليك ذات يوم من خلال وليد جنبلاط.
وأول لقاء جمعكما كان في السعودية. تفاصيل كثيرة حصلت بين الرجلين اختصرها دلول بكلمتين «رفيق الحريري كان بريئاً من كثير من التفاصيل التي حيكت باسمه وألصقت به». لن ندخل - في حالة دلول اليوم - بالتفاصيل. لكن سألناه عن الذكرى العشرين: فهل تممت العدالة؟ يجيب «من قام بالجريمة الشنيعة كان ظالماً وقد دفع ثمناً باهظاً». هل له أن يعطينا بالاسم من قام بهذه الجريمة؟ سألناه مراراً لكن الرجل مريض.
لم نلحّ. لكن، قبل أن نقفل الخط، ماذا يقول للشيخ سعد؟ «الله معك. هي ذكرى أليمة وموجعة ومعبرة عن أمور كثيرة جرت في تاريخ لبنان الحديث. وهذا البلد لن يقوم إلا على مثال الحريرية المعتدلة التي وضع أسسها وانتهجها رفيق الحريري. هذا اعتقاد راسخ يستند إلى تجربتي السياسية الطويلة».
درباس و«زعل» سعد
فلننتقل إلى طرابلس. نقيب المحامين السابق والوزير السابق رشيد درباس كان صديقاً لرفيق. وكان واحداً من أشخاص قلائل، لا يزيد عددهم عن أصابع اليد الواحدة، يناديهم سعد: عمي. لكن سعد زعل منه مرّة فهل سيزعل منه مجدداً إذا حكى اليوم؟ يعود إلى «الزعل الأول»: «أُحبّ سعد جداً جداً جداً. وأتذكر أنني اتصلت به ذات مرة، خلال مقابلة له مع مريم البسام، على شاشة الجديد، وقلت له: أرجوك أترك المقابلة حالاً. وفي اليوم التالي وكان يوم أحد قدمت «ناقوساً» ثقيلاً عنه (يقصد اسم برنامجه). أزعجه ذلك. اتصل بي فريد مكاري وقال لي: لو كنت مكان سعد لوضعت ناقوسك منبهاً يومياً. اتصلتُ مرتين أو ثلاثاً بالشيخ سعد فلم يجبني. اتصل بي لاحقاً مدير بيت الوسط وأخبرني أن سعد قال له: «حزنت كثيراً لما فعله بي رشيد الذي هو واحد من خمسة أناديهم عمي».
أخذ يومها على خاطر سعد. اليوم، في ذكرى رفيق العشرين، هل يجرؤ - وهو الجريء - أن يقول شيئاً للشيخ سعد ولا يخشى من زعله؟ يجيب «أقول له إنه بوجوده قادر على استكمال تركيبة الدولة، ولديه تيار المستقبل، وإن كنت لا أرى للتيار مستقبلاً في شكله الحالي حيث «المط والشط». هذا الكلام قد يجدد زعله منك؟ يجيبنا «أحبه وأعرف أنه يحبني. لذا سأقول له أيضاً أن والده، رحمه الله، كنا نقصده فنجد عنده عقولاً وأدمغة ونراه يسمع كلّ العالم موسعاً دائرة الأفكار والآراء وبعدها يقرر. فليفعل مثله، خصوصاً أنه ثبت أن شعبيته راسخة باعتراف الخصوم والأصدقاء. فليستثمر بها. أقول له إذا كان لدى شخص ما ثروة عقارية فعليه لزاماً أن يضع خطة لاستثمارها بالشكل الصحيح. هذا اسمه استثمار الموروث.
هو ورث ثقة الناس من رفيق الذي كان مكبل الأيدي في حينها من رئيس جمهورية مناوئ وأحزاب مناوئة ومن ساطور سوري مسلط يمنعه من أخذ القرار والتوسع، حتى المنح التعليمية كان محكوماً بكوتا معينة في طرابلس. أما سعد فورث يوم استلم حرية القرار من الناقورة إلى النهر الكبير لكنه لم يعرف كيف يستثمر الإرث».
هي الذكرى العشرين لاغتياله. وها هو لبنان اليوم قد تحرر من الهيمنة الداخلية والحالة الأسدية. الذكرى اليوم تأتي، بحسب درباس، مختلفة ويقول «رفيق مات ولا شيء يمكن أن يعيده سوى الأمل بأفكارٍ وطروحات وأعمال حلم بها وحاول تطبيقها».
في ظلّ كل المعطيات الجديدة، هل اقتربت عودة سعد النهائية اليوم إلى لبنان؟ يجيب درباس «المؤشرات لا تدل إلى ذلك لكن قد تكون المرحلة تمهيدية للعودة. هو قال قبل ثلاثة أعوام: من لديه مشروع آخر وقادر على ملء الفراغ فليفعل. لكن ثبتت الأيام إستحالة ذلك. لذلك أرى أن الظروف أقله الداخلية مؤاتية».
شيخ رفيق. رفاقك وأصدقاؤك تكلموا. والأرض، اليوم، ستتكلم. الحريريون رفعوا اسمك مجدداً عالياً وينادون: بالعشرين ع ساحتنا راجعين. الحماسة كبيرة لكن التيار بحاجة إلى أكثر من حماسة. اللبنانيون يتذكرونك كثيراً. وسط بيروت دمّر مراراً وكأن هناك من يصرّ على عقابك بعد موتك.
الشيخ سعد سيتكلم اليوم. وستصدح في كل الارجاء أغنية: «بيروت عمتبكي». لكن، ما اختلف اليوم أن لبنان يبدو وكأنه عاد يتنفس بعد هروب بشار كما الجرذ من وكره. هناك أمور كثيرة بعد نخبرك إياها على أمل أن يكون أول نبأ في ذكراك الواحدة والعشرين: لبنان قام من الموت.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|